فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه} أي قريش، وبعض اليهود كانوا يعلمون قريشًا مثل هذا الاقتراح يقولون له: ألا يأتيكم بآية مثل آيات موسى من العصا وغيرها؟ وقرأ العربيان، ونافع، وحفص: آيات، على الجمع؛ وباقي السبعة: على التوحيد.
{قل إنما الآيات عند الله} ينزل أيتها شاء، ولو شاء أن ينزل ما يقترحونه لفعل.
{وإنما أنا نذير} بما أعطيت من الآيات.
وذكر يحيى بن جعدة أن ناسًا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكتب قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود، فلما نظر إليها ألقاها وقال: «كفر بها جماعة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم»، فنزلت: {أو لم يكفهم}.
والذي يظهر أنه رد على الذين قالوا: {لولا أنزل عليه آية من ربه} أي أو لم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات، إن كانوا طالبين للحق، غير متعنتين هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان؟ فلا تزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحل، كما تزول كل آية بعد وجودها، ويكون في مكان دون مكان.
إن في هذه الآية الموجودة في كل مكان وزمان لرحمة لنعمة عظيمة لا تنكر وتذكر.
وقيل: {أو لم يكفهم} يعني اليهود، {إنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك، وروي أن كعب بن الأشرف وأصحابه قالوا: يا محمد! من يشهد بأنك رسول الله؟ فنزلت: {قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدًا} أي قد بلغت وأنذرت، وأنكم جحدتم وكذبتم، وهو العالم {ما في السموات والأرض} فيعلم أمري وأمركم، {والذين آمنوا بالباطل}.
قال ابن عباس: بغير الله.
وقال مقاتل: بعبادة الشيطان.
وقيل: بالضم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزلَ عَلَيْه ءايات من ربه}.
مثلُ ناقة صالحٍ وعَصَا مُوسى ومائدةُ عيسَى عليهم السلامُ. وقُرىء آية {قُلْ إنمَا الآيات عندَ الله} يُنزلها حسبَما يشاءُ من غير دخلٍ لأحدٍ في ذلكَ قطعًا {وَإنمَا أَنَا نَذير مبين} ليسَ من شأني إلا الإنذارُ بما أُوتيتُ من الآيات {أَوَلَمْ يَكْفهمْ} كلام مستأنف وارد من جهته تعالى ردا على اقتراحهم وبيانًا لبُطلانه والهمزةُ للإنكار والنفي والواوُ للعطف على مقدرٍ يقتضيه المقامُ أي أقصُر ولم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات {أَنا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} الناطقَ بالحق المصدقَ لما بين يديه من الكتب السماوية وأنتَ بمعزلٍ عن مدارستها وممارستها {يتلى عَلَيْهمْ} في كل زمانٍ ومكانٍ فلا يزالُ معهم آية ثابتة لا تزولُ ولا تضمحل كما تزولُ كل آيةٍ بعدَ كونها وتكونُ في مكانٍ دُونَ مكانٍ أو يُتلى على اليهود بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينكَ {إن في ذَلكَ} الكتاب العظيم الشأن الباقي على مر الدهور {لَرَحْمَةً} أي نعمةً عظيمةً {وذكرى} أي تذكرةً {لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} أي لقوم همهم الإيمانُ لا التعنتُ كأولئك المُقترحينَ، وقيل: إن ناسًا من المؤمنينَ أَتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بكتبٍ فيها بعضُ ما يقولُه اليهودُ فقال: «كَفَى بها ضلالةَ قومٍ أنْ يرغبُوا عما جاءَ به نبيهم إلى ما جاءَ به غيرُ نبيهم» فنزلتْ: {قُلْ كفى بالله بَيْنى وَبَيْنَكُمْ شَهيدًا}.
بمَا صدرَ عني وعنكُم {يَعْلَمُ مَا في السموات والأرض} أي من الأُمور التي من جُمْلتها شأني وشأنُكم فهو تقرير لما قبلَه من كفايته تعالى شَهيدًا {والذين ءامَنُوا بالباطل} وهو ما يُعبد من دُون الله تعالى: {وَكَفَرُوا بالله} مع تعاضُد موجبات الإيمان به {أولئك هُمُ الخاسرون} المغبُونون في صفقتهم حيثُ اشترَوا الكفرَ بالإيمان بأنْ ضيعوا الفطرةَ الأصليةَ والأدلةَ السمعيةَ الموجبةَ للإيمان، والآيةُ من قبيل المُجادلة بالتي هي أحسنُ حيثُ لم يُصرحْ بنسبة الإيمان بالباطل والكفر بالله والخسران إليهم بل ذُكر على منهاج الإبهام كما في قوله تعالى: {وَأَنَا أَو إياكم لعلى هُدًى أَوْ في ضلال مبينٍ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالُوا} أي كفار قريش بتعليم بعض أهل الكتاب.
وقيل: الضمير لأهل الكتاب {لَوْلاَ أُنزلَ عَلَيْه ءايات من ربه} مثل ناقة صالح وعصا موسى، وقرأ أكثر أهل الكوفة {ءايَةً} على التوحيد {قُلْ إنمَا الآيات عندَ الله} ينزلها حسبما يشاء من غير دخل لأحد في ذلك قطعًا {وَإنمَا أَنَا نَذير مبين} ليس من شأني إلا الإنذار بما أوتيت من الآيات لا الإتيان بما اقترحتموه فالقصر قصر قلب.
{أَوَ لَمْ يَكْفهمْ} كلام مستأنف وارد من جهته تعالى ردًا على اقتراحهم وبيانًا لبطلانه والهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أقصر ولم يكفهم ءاية مغنية عن سائر الآيات {إنا أَنزَلْنَا} {عَلَيْكَ الكتاب} الناطق بالحق المصدق لما بين يديه من الكتب السماوية وأنت بمعزل من مدارستها وممارستها {يتلى عَلَيْهمْ} تدوم تلاوته عليهم متحدين به فلا يزال معهم ءاية ثابتة لا تزول ولا تضمحل كما تزول كل ءاية بعد كونها، وقيل: {يتلى عَلَيْهمْ} أي أهل الكتاب بتحقق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك، وله وجه أن كان ضمير قالوا فيما تقدم لأهل الكتاب وأما إذا كان لكفار قريش فلا يخفى ما فيه.
{إن في ذَلكَ} أي الكتاب العظيم الشأن الباقي على ممر الدهور، وقيل: الذي هو حجة بينة {لَرَحْمَةً} أي نعمة عظيمة {وذكرى} أي تذكرة {لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} أي همهم الإيمان لا التعنت فالجار والمجرور متعلق بذكرى والفعل مراد به الاستقبال، ويجوز أن يكون {رَحْمَةً وَذَكَرَ} مما تنازعا في الجار والمجرور فيجوز أن يكون الفعل للحال، وأخرج الفريابي والدارمي وأبو داود في مراسيله وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة قال: جاء ناس من المسلمين بكتف قد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بقوم حمقًا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم» فنزلت: {أَوَ لَمْ يَكْفهمْ أَنا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} الآية وأخرج الإسماعيلي في معجمه وابن مردويه عن يحيى هذا ما هو قريب مما ذكر مرويًا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
و{يُؤْمنُونَ} على هذا على ظاهره لا غير، وتعقب بأن السياق والسياق مع الكفرة وان الظاهر كون {أَوَ لَمْ يَكْفهمْ} الآية جوابًا لقولهم: {لَوْلا أُنزلَ} الخ، وفي جعل سبب النزول ما ذكر خروج عن ذلك فتأمل.
وعليه تكون الآية دليلًا لمن منع تتبع التوراة ونحوها وروي هذا المنع عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
أخرج ابن عساكر عن أبي مليكة قال: أهدى عبد الله بن عامر بن ركن إلى عائشة رضي الله تعالى عنها هدية فظنت أنه عبد الله بن عمرو فردتها وقالت: يتتبع الكتب وقد قال الله تعالى: {أَوَ لَمْ يَكْفهمْ أَنا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهمْ} فقيل لها: إنه عبد الله بن عامر فقبلتها وجاء في عدة أخبار ما يقتضي المنع، أخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في شعب الإيمان، عن الزهري أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي عليه الصلاة والسلام يتلون وجهه فقال: والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني ضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظى من الأمم.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي أيضًا عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مر برجل يقرأ كتابًا فاستمعه ساعة فاستحسنه فقال للرجل: اكتب لي من هذا الكتاب قال: نعم فاشتري أديما فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون فضرب رجل من الأنصار الكتاب وقال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم وانت تقرأ عليه هذا الكتاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إنما بعثت فاتحًا وخاتمًا وأعطيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي الحديث اختصارًا فلا يهلكنكم المتهوكون» أي الواقعون في كل أمر بغير روية، وقيل: المتحيرون إلى ذلك من الأخبار، وحقق بعضهم أن المنع إنما هو عند خوف فساد في الدين وذلك مما لا شبهة فيه في صدر الإسلام، وعليه تحمل الأخبار، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر.
{قُلْ كفى بالله بَيْنى وَبَيْنَكُمْ شَهيدًا} أي عالمًا بما صدر عني من التبليغ والإنذار وبما صدر عنكم من مقابلتي بالتكذيب والإنكار فيجازي سبحانه كلا بما يليق به {يَعْلَمُ مَا في السموات والأرض} أي من الأمور التي من جملتها شأني وشأنكم فهو تقرير لما قبله من كفايته تعالى شهيدًا، وجوز أن يكون المعنى كفى به عز وجل شاهدًا بصدقي أي مصدقًا لي فيما ادعيته بالمعجزات تصديق الشاهد لدعوى المدعى، وجملة {يَعْلَمْ} إما صفة {شَهيدًا} أو حال أو استئناف لتعليل كفايته، وقيل عليه: إن هذا الوجه لا يلائمه قوله تعالى: {بَيْنى وَبَيْنَكُمْ} سواء تعلق بكفي أو بشهيدًا ولا قوله سبحانه: {يَعْلَمُ مَا في السموات} الخ، وفيه تأمل.
وقد يؤيد ذلك بما روي أن كعب بن الأشرف وأصحابه قالوا: يا محمد من يشهد بأنك رسول الله؟ فنزلت {قُلْ كفى} الآية إلا أن في القلب من صحة هذه الرواية شيئًا لما أن السياق والسباق مع كفرة قريش فلا تغفل.
وأيًا ما كان فلا منافاة بين هذه الآية، وقوله تعالى: {وادعوا شُهَدَاءكُم من دُون الله} [البقرة: 32] بناء على أن المعنى لا تستشهدوا بالله تعالى ولا تقولوا الله تعالى يشهد أن ما ندعيه حق كما يقوله العاجز عن إقامة البينة إما لأن الشهيد هاهنا بمعنى العالم والكلام وعد ووعيد، وأما بمعنى المصدق بالمعجزات وليست الشهادة باحد المعنيين هناك.
والباء في {بالله} زائدة والاسم الجليل فاعل {كفى} وقال الزجاج: أن الباء دخلت لتضمن كفى معنى اكتف فالباء كما قال اللقاني معدية لا زائدة، قال ابن هشام في المغنى: وهو من الحسن بمكان ويصححه قولهم: اتقى الله تعالى امرؤ فعل خيرًا يثب عليه أي ليتق بدليل جزم يثب ويوجبه قولهم: كفى بهند بترك التاء فإن احتج بالفاصل فهو مجوز لا موجب بدليل {وما تسقط من ورقة} [الأنعام: 59] فإن عورض بأحسن بهند فالتاء لا تلحق صيغ الأمر وإن كان معناها الخبر. اهـ.
وتعقب ذلك الشيخ يس الحمصي في حواشيه على التصريح فقال: أقول تفسير {كفى} على هذا القول باكتف غير صحيح إذ فاعل {كفى} حينئذ ضمير المخاطب، و{كفى} ماض وهو لا يرفع ضمير المخاطب المستتر اه وفيه بعد بحث لا يخفى على المتأمل.
وظن بعض الناس أن {كفى} على هذا القول اسم فعل أمر يخاطب به المفرد المذكر وغيره نحو حي في حي على الصلاة فالمعنى هنا اكتفوا بالله، وأنت تعلم أن هذا بعيد الإرادة من كلام الزجاج ويأباه كلام ابن هشام، وقال ابن السراج: الفاعل ضمير الاكتفاء، قال ابن هشام: وصحة قوله موقوفة على جواز تعلق الجار بضمير المصدر وهو قول الفارسي والرماني أجازوا مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح، وأجاز الكوفيون اعماله في الظرف وغيره، ومنع جمهور البصريين أعماله مطلقًا. اهـ.
وتعقب ذلك ابن الصائغ فقال: لا نسلم توقف الصحة على ذلك لجواز أن تكون الباء للحال، وعليه يكون المعنى {كفى} هو أي الاكتفاء حال كونه ملتبسًا بالله تعالى، ولا يخفى أنه ما لم يبطل هذا القول لا يتم ما ادعاه ابن هشام من أن ترك التاء في كفى بهند يوجب كون كفى مضمنًا معنى اكتفى فتدبر {والذين ءامَنُوا بالباطل} قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي بغير الله عز وجل وهو شامل لنحو عيسى والملائكة عليهم السلام.
والباطل في الحقيقة عبادتهم وليس الباطل هنا مثله في قول حسان:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل

وقال مقاتل: أي بعبادة الشيطان، وقيل: أي بالصنم {وَكَفَرُوا بالله} مع تعاضد موجبات الإيمان به عز وجل: {أولئك هُمُ الخاسرون} المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان فاستوجبوا العقاب يوم الحساب، وفي الكلام على ما قيل: استعارة مكنية شبه استبدال الكفر بالإيمان المستلزم للعقاب اشتراء مستلزم للخسران، وفي الخسران استعارة تخييلية هي قرينتها لأن الخسران متعارف في التجارات، وهذا الكلام ورد مورد الانصاف حيث لم يصرح بأنهم المؤمنون بالباطل الكافرون بالله عز وجل بل أبرزه في معرض العموم ليهجم به التأمل على المطلوب فهو كقوله تعالى: {إنا أَو إياكُمْ لعلى هُدًى أَوْ في ضلال مبينٍ} [سبأ: 4 2] وكقول حسان:
فشركما لخيركما الفداء

وهذا من قبيل المجادلة بالتي هي أحسن. اهـ.